الشّاعر: أمل دنقل " مقابلة خاصّة مع ابن نوح " جاء طوفان نوح ! المدينة تغرق شيئا ... فشيئا تفر العصافير ، والماء يعلو .. على درجات البيوت – الحوانيت – مبنى البريد – البنوك التماثيل ( أجدادنا الخالدين ) – المعابد – أجولة القمح مستشفيات الولادة – بوابة السجن – دار الولاية – أروقة الثكنات الحصينة .. العصافير تجلو .. رويدا .. رويدا .. ويطفو الإوز على الماء يطفو الأثاث .. ولعبة طفل .. وشهقة أم حزينة .. الصبايا يلوحن فوق السطوح ! جاء طوفان نوح ... هاهم الحكماء يفرون نحو السفينة المغنون – سائس خيل الأمير – المرابون – قاضي القضاة ( .. ومملوكه ) حامل السيف – راقصة المعبد ( ابتهجت عندما انتشلت شعرها المستعار ) جباة الضرائب – مستوردو شحنات السلاح عشيق الأميرة في سمته الأنثوي الصبوح جاء طوفان نوح ! هاهم الجبناء يفرون نحو السفينة بينما كنت .. كان شباب المدينة.. يلجمون جواد المياه الجموح ينقلون المياه على الكتفين ويستبقون الزمن يبتنون سدود الحجارة ... علهم ينقذون مهاد الصبا والحضارة علهم ينقذون ... الوطن! صاح بي سيد الفلك – قبل حلول السكينة - : ’’ انج من بلد ... لم تعد فيه روح ‘‘ قلت : طوبى لمن طعموا خبزه .. في الزمان الحسن وأداروا له الظهر .. يوم المحن! ولنا المجد – نحن الذين وقفنا – ( وقد طمس الله أسماءنا ) نتحدى الدمار ونأوى إلى جبل لا يموت ( يسمونه الشعب! ) نأبى الفرار .. ونأبى النزوح ! كان قلبي الذي نسجته الجروح .. كان قلبي الذي لعنته الشُروح .. يرقد – الآن - فوق بقايا المدينة وردة من عطن .. هادئا ... بعد أن قال ’’ لا ‘‘ للسفينة .. .. وأحب الوطن !
أمل دنقل شاعرٌ ينظم قصيدته من أنين أمّته ووجع مِلّته وبكاء ثكلى وآهاتِ أرملةٍ شاعر يكتب بالنّارِ في زمن وَجبَ أن تُحْرَقَ فيه أشياءٌ...وأشياءْ أحسنتِ الِانتقاءَ وأجدّتِ الِاختيارْ سَلمتْ يداكِ